الشُّعراء الرُّحل | د. مراد القادري

د. مراد القادري

شاعر وباحث، رئيس بيت الشعر في المغرب.

مُنذُ فترةٍ غير قصيرة، شهِد الوسطُ الثقافي والأدبي العربي حَركةً لافتةً للنّظر، حتى لَيُمْكنُ أنْ نطلقَ عليها صِفة “الظاهِرة”، لأنها لم تَصْدُر عن فردٍ واحد، بل اقتفَى أثرَها عَددٌ من الأفراد، الذين اعتبرُوها سلوكًا عاديًا وضروريًا لبناءِ وضعِهم الأدبي وترتيبِ علاقتهم بذواتهم وبالآخر. أقصدُ بذلك ظاهرة ترحال الشُّعراء وهجرتهم الفرديّة والجماعيّة نحو الرواية.

تفاوتَتِ الرّدُود حول هذه الظاهرة، على أنَّ أغلبيتها نَحَت نحو استِـهجانـها، حيثُ اعتبرَتـها دليلاً وشهادةً تصدُرُ عن الشّعراء أنفسهم بانعِدام اليقين بالشّعروفُقْدانـهم الثّقة في ضرُورته وجَدْواه. 

ما سببُ هذه الهجرة؟ أهو ضِيقُ الشّعراء بالبيت الأوّل؛ البيت الذي خوَّل للعرب صِفة أمّة الشعر، البيت الذي ألِفَوا داخلَه ترتيبَ أبياتِ القصيد، ليصير ضاجًّا بالشّدْوِ والصّمت؟ أم أنّ الأمر لا يعدُو أنْ يكون رغبةً من الشّعراء في ارتياد أراضٍ جديدة، وانتحالِ هويّة نصّيّة مُغايرة، ومُصافحة ممارسةٍ إبداعية مختلفة قد تكونُ أقْدرَ على التّعبير عمّا فشل فيه الشّعر؟

 كيفما كان الجواب، فنحنُ أمام ظاهرةٍ لا يمكنُ نُكرانُها أو تجاهُلها، تعكسُ تراتبيةً يتخيّلُها البعضُ بين الشِّعر والرّواية، كأنّ بين الاثكة الشّعر، مُولِّين وجُوهَهم نحو الرّواية ومباهِـجِها الماديّة. 

يُديمُ هذا الصّنفُ من الشُّعراء التفكير في كيف يـُمكنُه أنْ يوظّفَ مُكتسباتِه الشِّعرية في صوْغٍ روائيٍّ وحِكائيٍّ، سواءٌ بالاغْـتـرافِ من سيرتِه الذاتية، أو بِاسترجاعِ يومياتِه ومُشاهداته الحياتيّة أو عبر توْظيفِ عناصر مقرُوئه المختلفة. المهمّ أنْ ينتسبَ إلى مملكة الرّواية، سيِّدة المقامات الأدبية. والأهمُّ هو أنْ تنجحَ روايتُه في بلُوغ اللائحة الطويلة أو القصيرة أو “المتوسّطة” لأيّ جائزة عربية أو عالمية، لتتوالى عقِب ذلك الحِوارات الصحفيّة، والكِتابات النّقدية والدّعوات لمعارض الكُتب شرقا وغربا.

من جهة أخرى، ثمّة شعراء عبروا من الشعر نحو الرواية دُون قرارٍ مُسبق، وبلا ترتيب سالف. عبورٌ لا واعٍ ومُنفلتٌ من التّصنيف، ومتملِّصٌ حتى من صفة الترحال، لأنّ هذا العبور يكفّ عن أن يكون هجرةً، مادام إقامةً في الشِّعر بصيغةٍ مُغايرة. بمـُوجِب هذا العبور، “انتقل” أصحابُه من الحالة الشّعرية إلى الحالة الرّوائية استجابةً لدعوةِ الكتابة ولا شيء غير الكـتابة، من دون أن يُغادروا مناطقهم الشعريّة. شُعراء غيرُ عابئين بالأسْلاك الشّائكة التي يتصوّرُها البعضُ قائمةً بين الأجناس الأدبية، فالكِتابة عندهم نـهـرٌ واحد، تتفرّعُ مجاريه وسواقيه، فيما يظلُّ منبعُه ومصبُّه واحدًا: إنّه الإبداعُ في اللحظة التي ينتصرُ فيها الأدبُ خارجَ منطقَ الأجناس. ضِمن هذه الخانة، يندرجُ عددٌ من الشُّعراء الذين استمرُّوا في ارتباطٍ عميقٍ بالشِّعر في كتابتهم السردية، مُحتفِظين برُوح الشّاعر داخلهم، مُلتصِقين في سردهم بالشّعْر، ورُوح الشّعْر، مُؤمنين بوحدة الكتابة، مُدركين، في ذات الوقت، للحدود الفاصلة بين الأجناس الأدبية، مُستفيدين من خِبرتهم في كِـتابة الشّعر في تقديم نصٍّ روائيّ له خصوصية جمالية وفنيّة. فالكتابة، عِند هذا الفريق، واحدةٌ، فيما التّعبيرات الفنيّة مُتنوّعة ومتباينة.

بهذا المعنى، تكونُ ظاهرة “تِرحال الشّعراء” متعدّدةَ الأسباب، ولا يمكنُ فهمُها إلا في ظلّ السياقات الثقافية والتدافُع الاجتماعي الذي يؤطّر المناخَ الأدبي في منطقتنا العربية، وباستحضار تبايُن النوايا التي تقف وراءها: نوايا بنفَسٍ جماليّ، وأخرى بنفَسٍ برغماتي. ولأنه لا يمكنُ لنا أنْ نُحاسبَ النوايا أو نُحاكمها، فإنّ مُحصّلة الكلام هو أنّ الحقل الأدبي العربي استفاد كثيرا من ظاهرنين خصومةً أو حربا، مالت كفّتـُها لصالح الرّواية. والحال أنّ نظرةً عابرة إلى حياتِنا الثقافية العربية تكفي لنكتشفَ أنَّ جَذْوَة الشعر ما زالت مُلتهبة، يصْعُبُ إخمادُها أو النَّيْلُ من شُعلتها. فعِلاوةً على وَفْرة الإنتاج الشّعري الذي تطالعُنا به يوميًّا دُور النّشر والمواقع الإليكترونية، ثمة ديناميّة ملحوظة نشهدُها، هنا وهناك، تتجسّدُ في انتظامِ مهرجانات الشّعر، وتواتُرِ الأماسي الشعرية بمختلف لغاتِ الكِتابة من فصيح ونبطي وشعبي، فضلًا عن ظهُورِ أصواتٍ شِعرية جديدة تتلمّسُ الانتسابَ إلى عالم القوْل المدهِش، لتُجدّدَ للشّعر رُوحَه وأنفاسَه وتُواصِلَ معه رحلة الحياة والإبداع. 

يبدُو لي أنّ ظاهرة “الشُّعراء الرُّحل” يجبُ أنْ ننظُر إليها تبعًا للخلفيات والنّوايا التي تُحركّ أصحابَها نحو خَوْضِ مُغامرة التِّرحال. فمن جهة، ثمة شُعراء هاجَروا من الشّعر إلى الرّواية عن سبْقِ إصرارٍ وترصّدٍ، بعد أنْ أغرتهم المكاسبُ التي باتت تحفُّ بالرّواية: لوائح طويلة، لوائح قصيرة، جوائز عريضة، مُواكبة نقدية وإعلامية، حقوق تأليف، عقود ترجمة، طلبيات معارض الكتُب، ارتفاع المبيعات…. كلّ ذلك حَفّز هؤلاء الشُّعراء على التّرحال من مملة عبور الشعراء نحو الكتابة السرديّة. عبورٌ يظلُّ حالة صحيّةً ومرغوبًا فيها، لأنها حقّقت التفاعل بين الأجناس الأدبية، وخاصّة بين الجنسين الأدبيين الأكثر استقطابا للكتابة: الشّعر والرواية، وهو ما يمكن رصدُه من خلال وجودِ روح الشّعر وصنعة الشاعر في عدد من الروايات العربية، حتى لتبدو كأنها مولودةٌ من رحم الشعر. 

* شاعر وباحث.

 رئيس بيت الشعر في المغرب.

الإِصغَاءُ للمُمكِنِ في الوَتَرِ المَقطُوعِ | موزة عبدالله العبدولي

موزة عبدالله العبدولي

 ناقدة من الإمارات

تطمحُ هذه المقالة الوقوف على صَدى الأصواتِ في نصِّ شاعرٍ أصم، حيثُ فَقدَ الشاعر السوريّ «رياض الصالح الحسين» (1954 – 1982) حاستي السمع والنطق وهو في الثالثة عشر من عمره إثر مرضٍ مفاجئ يُرجح أنه قصور كلويّ[1]، وظلَّ الشاعرُ يُواري مرضه عن الجَمع، مُرتاحاً في ظلاله الباردة، وناكراً علّته أمام العالم، يقول عنه الشاعر «منذر المصري»: “كان رياض يريد أن يكون صحيحاً، لا ينقصه شيء كالجميع، كامل أو شبه كامل كالجميع، وقابلاً لكل شيء، وأكثر من كل شيء”[2]، فاحتفظ الشاعرُ بذاكرة الصوت أو أشباحها، وظلَّ يستعيد الأغنيات بوصفها النغم المُستحيل.

       وأمام هذه الخزينة الصوتيَّة واللغويَّة، يتبينُ لأيّ قارئ في تجربة الشاعر: بساطة الألفاظ والصور والتراكيب ومحدوديَّة المُفردات، إذ تقوم قصائده على معجمهِ المُحاط بمهمومه، كنداءات الوَطن في ثوراته وحريَّاته، أو بكائهِ على هجرِ الحبيبة، ووحشة الوحدة، أو سخطه على قُبح العالم، ونستدلُّ بذلك أنّ الصُّم يمتازون بذخيرةٍ لغويَّة محدودة، وتتمركزُ ألفاظهم حول الملموس، وتظهر جملهم بشكلٍ أقصر وأقلّ تعقيداً[3]، وهذا الذي يتضح في تجربةِ الصالح، لكن معجمه يُعدُّ مُعجماً مُتطوراً ومُتشرّباً من التجربة الشعريَّة العربيَّة، وهو معجمٌ له حدوده اللغويَّة التي تعكس عالمه الشعريّ المسوَّر. في حين لا بُدَّ من آثارٍ تنعكس على تكوّن قصيدته بفعل الصمت الجبريّ الذي تعيشه ذاته الشاعرة، إذ يُفسر العالم الأنثروبولوجيّ «ديفيد لوبروتون» فجوة الصَّمت في قوله:”إنَّ عشيرة المعنى في شقها الأكبر عشيرة صوتيّة، وانفتاحٌ على صخب الحياة اليومية (..) الصممُ يُعدمُ بُعداً مُمكناً للواقع.”[4]

       يعبرُ الصوتُ جسورَ التواصلِ مع الذاتِ والعالمِ والذاكرة،  فتتمحورُ الأغنية في القصائد بوصفها الجوهر المفقود بعدَ جُرحِ الصَّمم، والحنين للصوتِ الجميلِ وطربهِ، لتجيء الأُغنيات في القصائد مؤسسةً جسرَ التواصلِ إلى عالم الأمس، أو حُلم الغد البعيد، وتظهر بوصفها الأمل والعلاج والسلام للحاضر البائس، يقول في ذلك:

“كنتُ أوزع الحب في القلوب
كما يوزعون الرصاص
كنتُ أنثر الأغاني في الطرق الجبلية
كما ينثرون الأنغام”[5]

       فالأغنيات هي مفردات الحب واللحظات السعيدة أمام بؤس الحروب ودمويتها، إذ يتضح أن أضداد الأغنية في معجم الشاعر هي الحروب وأسلحتها، وتتأكد هذه الثنائية في قوله للشاعر نزيه أبو عفش: “وإنك لكذلك / قريب كالحروب / وبعيد كالأغاني”[6]. لتخلق بذلك هذه المفردات هالتها الدلاليَّة كالسلب والإبادة والفناء (الحروب) والعطاء والنمو والديمومة (الأغاني). وقد ظلَّت مُفردة الأغنيات تظهر في القصائد محمّلةً بمعاني النور والأمل، وهي بكل أصدائها تُصارع القسوة والموت: 
“هل تذهبين إلى العشب؟
أم تذهبين إلى الحرب؟
كنا نسير وتثقبنا الطلقات
وكنا نسير نسير بدائرة قطرها ألف حزن
يداً بيد ونغني
يداً بيد ونموت”[7]

       إنَّ مشهد النهاية في الذهاب إلى الموتِ غناءً؛ يعكس صورةً من صور المُقاومةِ بسلاح الصوت الطروب، إذ تتحد في هذه النهاية المثاليَّة قوتان: قوة الموت وقوة الغناء. وتكمن الغرابة المُستمرَّة في استمساك الشاعر بسلاح الأغاني، السلاح الصوتيّ الذي لا يملك ذخائره، وهو يستمر بتوكيداته لهذا الحرمان من خلال تشبيه نفسه بقاعدة تُطلق الأغاني، يقول مخاطباً الحبيبة:

“ألا أبدو لكِ كقاعدة أرضية لإطلاق الأغاني على البشر فلماذا تنظرين إلي ببلاهة؟”[8]

       إن افترضنا أن أغنية الشاعر قصيدته، فهي قصيدة الأمل والحب التي تُضيء، ليكون هو الصوت الذي لا يستطيع قوله، لكنه يصل للبشرية جمعاء، وفي هذا التصوّر المثاليّ لما تخلقهُ الأغنياتُ من أثرٍ مُشرقٍ؛ تظهرُ في العديد من المشاهد بوصفها المهدئ والمُعالج، كقوله: “من سيغني لي أغنيةً في المساء لأنام / إذا وضعوا بين جفني صخرة مدبّبة؟”[9]، فتهويدات الطفولة – أو الحنين إلى تلك المرحلة الصوتيَّة – هي أقصى ما يرجوه المؤرَّق لإخماد أرقِهِ، لكنَّها أغنيات لا تصل، وسلوى يستحيل تحقيقها. في حين تلحُّ الأغنيات في معجمهِ، لتؤكّد معاني الأمان والحب والخير، فها هي يد الحبيبة التي تنطلق منها الأغنيات:

“لا تفتحي يدَكِ..لا تفتحي يدَكِ
فكلُّ أغاني العالم ستنطلقُ منها
لا تغلقي يدَكِ.. لا تغلقي يدَكِ
فكلُّ أغاني العالم ستلتجئ إليها”[10]

       إذ طالما ما ارتبطت اليد بالعطاء والاستقبال، وهي هنا في كلتا الحالتين تستقبلُ الأغنيات وتُطلِقها، تحتويها وفي الآن نفسهِ تمنحها الخَلاص، فقد صارت الأغنياتُ قرينة المُعجِزة، بكلِّ هذه المُستحيلات التي تنبثقُ من خلالها. وتصطفُّ الأغنيةُ بجانبِ النهر وصفائه، والنهار وبهائه، لتكون مكوّناً طبيعياً يُحسِّن من جودة الحياة، ويرتقي بالمرء إلى سَلامِه المأمول، يقول:
 “أمامي الكثير لأعطيه
وخلفي الكثير للمقابر
أمامي النهر ورائحة الصباح والأغاني”[11]
لكن هذه الأغنيات التي أصبحت رمزاً للجمال، يحلُّ بغيابها قَسوَة الوَحشة:
“فتحتُ النوافذ
لم يدخلها أحد
لا نهر، لا فراشة، لا أغنية تائهة”[12]

أو في قوله:
“لقد بدأنا نعرف ما معنى الزمن
عندما نعود إلى البيت وحيدين
متشابكي القلوب والأصابع
بدأنا نعرف ما تعني الصخور النائمة في البحر
الشمس النائمة في السماء
والأغاني النائمة في المقبرة”[13]
       وأمام سوداويَّة المعنى الذي يتحقق بغياب الأغنيات، نستجلي قيمة حضورها. فنوم الشمسِ يعني غياب الضوء، ونوم الأغنيات يعني غياب الأُنس والأَمان، وعلى الرغم من بساطةِ التشبيهات؛ إلا أنّ النصوص تصدحُ بمعاني فسيحة في وصفِ الحالة الوجوديَّة والإدراكيَّة للعالم ومكوناته، إذ أصبحت الأغنياتُ مادةً ملموسةً يتحققُ بها الوجود والمعنى.

       وعند فجوةِ الصَّمتِ الكبير، وافتقاد الشاعر لنغمة الأغنيات، تجيء قصائدهُ بِتكراراتٍ لافِتةٍ تولِّد إيقاعاً موسيقياً، يقول:
“السفر.. السفر.. السفر
هو ما أريد
الحرية.. الحرية.. الحرية
هي ما أطلب”[14]

       يجيء التكرارُ مُحمَّلاً بمدولاته الدلاليَّة، والصوتيَّة، فهو يُطالب، ويُشاكس ويَثور في سياقات مُختلفة، يقول: “بين يديك أيها العالم / أدور أدور أدور/ كدواليب الحظ”[15] وقوله: “أن أرقص وأرقص وأرقص / حتى تتعب الموسيقى”[16] ويجيء التكرارُ بوصفه إلحاحاً طفولياً: “ولكن قُل لي: هل تحبني؟ هل تحبني؟ هل تحبني؟”[17] أو كقوله مُخاطباً العالم: “وأقول تعال/ قبّلني قبّلني قبّلني/ قبّلني قبّلني قبّلني”[18]، ليخلق الشاعر بكلِّ هذه التكرارات الانفعاليَّة أغنيته التي يحلم بسماعها.

       وإن أعدنا التنقيب في بُعدِ الأغنياتِ في التجربةِ؛ سنجدها ممثلةً الحُلم المُستَحيل، الذي لشدَّةِ استحالتهِ تستمسكُ به النَّفسُ، وتعقِدُ عليه آمالها في السَّلام والحبِّ والشفاء والأُنس، إذ صارت الأغنياتُ – أو القصائد – هي مُعجِزة الشَّاعر الأصم، الذي يُبددُ كينونته الشعريَّة في نغمتها المُمكنة.

[1] إينانة الصالح، رياض الصالح الحسين وشِعريّة التفاصيل، مجلة العربي، الكويت، ع 699: https://alarabi.nccal.gov.kw/Home/Article/18971

[2] رياض الصالح الحسين، الأعمال الكاملة (1954 – 1982)، دار منشورات المتوسط، إيطاليا، ط2، 2021م، ص:8 (مقدمة الأعمال بقلم منذر المصري).

[3] يُنظر: تعليم الصم وضعاف السمع، جمال الخطيب، الشروق، الأردن، ط1، 2021م، ص:81

[4] دافيد لوبروطون، أنثروبولوجيا الحواس: العالم بمذاقات حسيّة، ترجمة: فريد الزاهي، المركز الثقافي للكتاب، الدار  البيضاء، المغرب، ط، 2020م، ص: 180

[5] الحسين، الأعمال الكاملة، ص: 87

[6] الأعمال الكاملة، ص: 125

[7] الأعمال الكاملة، ص:83

[8] الأعمال الكاملة، ص: 106

[9] الأعمال الكاملة، ص: 144

[10] الأعمال الكاملة، ص: 244

[11] الأعمال الكاملة، ص: 205

[12] الأعمال الكاملة، ص: 224

[13] الأعمال الكاملة، ص: 165

[14] الأعمال الكاملة، ص: 173

[15] الأعمال الكاملة، ص: 176

[16] الأعمال الكاملة، ص: 173

[17] الأعمال الكاملة، ص: 32

[18] الأعمال الكاملة، ص: 175

تاريخ الشعر الفصيح في الإمارات | إبراهيم الهاشمي

د. إبراهيم الهاشمي

 كاتب وشاعر من الإمارات

تعارف أغلب الباحثين والدارسين لتاريخ الشعر في الإمارات على أن أقدم ما وصلنا إلينا من الشعر الشعبي هو شعر الماجدي بن ظاهر، هذا بالنسبة للشعر الشعبي الذي حظي بالعديد من الدراسات والأبحاث التي تناولته وتناولت تاريخه وحقبه وفنياته وأنواعه، أما الشعر العربي الفصيح فحتى الآن لا زال الأمر غير واضح بشكل جلي، والدراسات أو الأبحاث في هذا الجانب لا تشفي الغليل، وتظهر مدى ما تعانيi المكتبة الإماراتية والعربية من شح وقصور فيما يتعلق بالدراسات المتخصصة في تاريخ الشعر العربي في الإمارات والذي لا يمكننا من تحديد دقيق وواضح وموثوق لأقدم النصوص التي يمكن الوصول إليها من الشعر الفصيح في الإمارات.

الدكتور أحمد أمين المدني يرحمه الله لم يذكر أي شيء يمكن أن يعتمد عليه في كتابه ” الشعر الشعبي في الإمارات العربية المتحدة نشأته وتطوره ” إذ خصصه بشكل كامل حول الشعر الشعبي بالرغم من تناوله في المقدمة بعض الملامح العامة حول الشعر والعوامل الجغرافية والاقتصادية والثقافية والسياسية والاجتماعية، إذ ركز على العوامل المؤثرة في الثقافة دون تفصيل للحياة الثقافية والشعرية، أما الباحث الشاعر أحمد راشد ثاني رحمه الله فتناول بتفصيل كبير ومتميز في دراسته ” الغير منشورة ” و التي كانت بعنوان ”  الشعر الفصيح في الإمارات من القرن 17 حتى العقود الأولى من القرن 20 ”  محاولاً  الوصول إلى أقدم ما قد يمكن الوصول إليه من خلال الوثائق والمخطوطات التي أستطاع الاطلاع على محتوها من قصائد فصيحة لشعراء الإمارات متناولاً بالدراسة  والعرض بعض المنظومات لشعراء قدامى من الامارات تعود للقرن السابع عشر حتى القرن العشرين، ذكر بعض الشعراء منهم محمد بن صالح المنتفقي ومحمد بن حسن المرزوقي وعلي بن محمد الشحي ومحمد بن حمود الشحي ويوسف بن رويسم ويعقوب الحاتمي وحماد بن سعيد و سالم بن عبدالله الكراني وغيرها من الأسماء التي اوردها لشعراء تلك الفترة الزمنية محاولاً في تلك الدراسة التي قد تكون الأكثر عمقاً في محاولة الوصول إلى اقدم ما يمكن الوصول إليه حول الشعر الفصيح في الإمارات، والشعراء الذين كتبوا باللغة العربية الفصحى، والجدير بالذكر أن الباحثة عائشة المهيري نشرت في مجلة الظفرة العدد السابع منها سنة 2007 قصيدة تحت عنوان تائية البستكي للشاعر عبدالرحيم البستكي نظمت سنة 1901 عثرت عليها في مخطوطة شعرية قديمة مؤرخة بتاريخ سنة 1921، وقد كشف الباحث ثاني بن عبدالله بن صقر المهيري في دراسة بحثية له أن الشيخ أبو فلاح محمد بن محمد بن علي الياسي مؤسس إمارة بني ياس في القرن العاشر الهجري الذي يوافق القرن السادس عشر للميلاد له قصائد بالفصحى كتبت بالشعر الهلالي القريب من الفصيح ويعتبر بذلك أقدم ما قد تم الوصول إليه من الشعر الفصيح في الإمارات.

الدراسات التي تناولت الشعر الفصيح في الإمارات قليلة بالرغم من مرور ما يزيد على 50 عاماً على تأسيس الدولة، ولا نجد حينما نبحث إلا بعض المقالات أو الدراسات القصيرة حول نتاج بعض الشعراء خصوصاً شعراء جماعة الحيرة الأدبية ، لا نستطيع أنكار دور مجموعة من الباحثين الذين اثروا الساحة بما كتبوه من أبحاث ومقالات ودراسات مثل عبدالغفار حسين وبلال البدور الذي بذل جهداً مميزاً في إصدار موسوعة شعراء الإمارات  التي صدر منها الجزء الأول حتى الآن والذي يتناول الشعر العامودي، ويوسف حطيني في كتابه ” الشعر الإماراتي ” والدكتور يوسف نوفل في كتابه ” شعراء دولة الإمارات العربية المتحدة دراسة وببليوجرافيا ” والدكتورة مريم الهاشمي في كتابها ” تطور الحركة الشعرية – جماعة الحيرة ” وأحمد محمد عبيد في كتابه ” الشعر الإماراتي   المعاصر ” والدكتور نزار أباظة في كتابه ” الاتجاهات الأساسية للشعر الحديث في دولة الإمارات والدكتور هيثم الخواجة في كتابه ” مدخل إلى قراءة القصيدة المعاصرة في الإمارات” وشاهين ذياب في كتابه ” الشعر الإماراتي الحديث – قراءة سيميائية ظاهراتية تأويلية في شعرية النص ” وغيرهم من الباحثين والدارسين، لكن هل يشفي ذلك الغليل، فيصل بنا إلى صورة واضحة لتاريخ الشعر الفصيح في الإمارات وبدايات القصيدة العامودية ومتى كانت انطلاقة شعر التفعيلة وعلى يد من من الشعراء؟ هل هو الدكتور أحمد أمين المدني أم الشيخ صقر بن سلطان القاسمي؟ وإرهاصات بدايات ظهور قصيدة النثر في الإمارات، وهل هناك ما يمكن تسميته وتقسيمه إلى أجيال شعرية، أم أن هناك تداخل يصعب معه وضع صورة واضحة للأجيال المتعاقبة من الشعراء سواءً ما قبل الإتحاد أو بعده.

الدراسات التي صدرت جهد مشكور لكنها لا تكفي لإعطاء صورة واقعية وحقيقية للشعر في الإمارات سواءً من ناحية المراحل الزمنية او المدارس الشعرية أو فنيات النص الشعري، إذ يدور جلها في فلك عام لم يصل لصلب وقالب وواقع الشعر المكتوب باللغة العربية الفصحى في الإمارات، قد يكون ذلك لندرة المخطوطات والوثائق وعدم الاهتمام بذلك التوثيق من جهة أخرى، وهنا لابد من دعوة كليات الآداب بالجامعات المختلفة في الإمارات إلى توجيه طلاب الدراسات العليا إلى تقديم دراسات تتناول كل ما يتعلق بالشعر الإماراتي الفصيح والاجتهاد في البحث بين سطور الوثائق والمخطوطات عن ما يمكن أن يشكل إضافة جديدة وحقيقية لتاريخ الشعر والثقافة في الإمارات.