
شيخة المطيري
شاعرة وكاتبة من الإمارات
لم تشعر دواوين الشعر بالغربة في المكتبة، فهي تلك التي تؤمن أنها تملك صوتًا خاصًا ودافئًا ينساب هادئًا أو صاخبًا من أرواح الشعراء. تجمع تلك الدواوين رموزٌ تستند إلى معايير الفهرسة والتصنيف، فنحن حين ندخل المكتبة ندرك بشكل طبيعي أنها تنتمي لرفوف معينة، تجعلها تنتظم متجاورةً وفق جغرافياتها وتاريخها.
هذا ما نراه في المكتبات العامة، ولكننا أيضًا نجد نماذج أخرى لحاضنات كتب الشعر –الدواوين والدراسات– كأن تكون المكتبة مخصصة بشكل كامل للشعر؛ كما هو الأمر في مكتبة البابطين في دولة الكويت الشقيقة. أما مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث فقد انتهج نهجًا خاصًا به، بأن أفرَدَ للشعر عددًا من المكتبات. مكتبة الشعر العربي ومكتبة الشعر الإماراتي (بيت القصيد) ومكتبة الشاعر نزار قباني، إضافةً إلى مكتبة الشاعر الإماراتي حمد خليفة بو شهاب والتي تُعَدُّ مكتبةً من المكتبات الخاصة في المركز، وهي فكرة قائمة على اقتناء مكتبات العلماء والمؤلفين والأدباء ومُحِبِّي الكتب، وقد انطلقت الفكرة من اهتمام معالي جمعة الماجد –مؤسس المركز- بتأريخ المكتبات الشخصية وتوثيقها والحفاظ على إرث أصحابها، وكأنها بعدُ في منزل صاحبها.
أما مكتبات الشعر فقد نشأت هذه المكتبات انطلاقًا من اهتمام معالي جمعة الماجد، الذي حرص منذ تأسيس الصرح الثقافي العظيم أن يهتم بالنتاج الأدبي الإبداعي، لإيمانه بصوت الشعر وحقيقة رسالته وعمقها.
ولهذه المكتبات أهمية كبيرة في مجال البحث والمطالعة، فكثيرة هي الدراسات القائمة على فكرة النص الشعري. ودراسة الموضوعات التي تناولتها القصائد الإماراتية والعربية. وتمت مناقشة عدد من الرسائل الجامعية بين الماجستير والدكتوراه استنادًا إلى ما جاء في هذه المكتبات. كما يقوم المركز أيضًا بدور فاعل في تعزيز المكتبة من خلال المناسبات الشعرية التي أقامها من أمسيات شعرية وجلسات حوارية مع الشعراء وطباعة الدواوين القديمة المحققة والحديثة، ونجد هذا الحضور العلمي أيضًا في مجلة «آفاق الثقافة والتراث» وهي المجلة العلمية المحكَّمة التي تصدر عن المركز، لتحمل بين أعدادها أبحاثًا عن الشعر وقضاياه النقدية، وتحقيقات لأشعار الشعراء القدامى، وسيأتي الحديث الآن عن المكتبات الشعرية في المركز.
مكتبة حمد خليفة بو شهاب
هو الشاعر والنسَّابة الإماراتي المعروف بالهزار الشادي، والذي ولِدَ عام 1932م في عجمان، وتعلم في كتاتيبها ومدارسها. أحب الشعر مبكرًا وكتبه في سن التاسعة، وظل محافظًا على القصيدة العمودية طوال عمره. كان أول من قدم مجالس الشعراء عبر تلفزيون الكويت من دبي عام 1971م. وهو أول من نشر الشعر الشعبي في الصحافة اليومية من خلال جريدة البيان منذ عام 1981م. ومن أبرز مؤلفاته كتاب «تراثنا من الشعر الشعبي».
ضمّ المركز جزءًا من مكتبة شاعرنا، فكان عدد العناوين فيها نحو 727 عنوانًا، انعكست اهتماماته عليها، حيث كان أكثرها من كتب الأدب والديانات والتاريخ.
وقد كان الاشتغال على هذه المكتبة من أمتع التجارب التي عشتُها، إذ أتيحت لي فرصة المطالعة القريبة لمحتويات المكتبة، رفقة أستاذَيّ الباحث والمؤرخ علي المطروشي والباحث النسَّابة عبد الله المهيري. كانت المكتبة تضم الكتب المطبوعة ومجموعة من الوريقات التي تخص الشاعر، كتب فيها ملاحظات حياته اليومية، ووضع تعليقاته على الكتب. كما كان –رحمه الله– يضع إشارات عند الصفحات دلالةً على موضع القراءة. لقد كان الشاعر حمد خليفة بو شهاب من الزوار الدائمين للمركز بحكم اهتمامه بالثقافة والصداقة التي جمعت بينه وبين جمعة الماجد. ومن وفاء المركز للشاعر فقد أقيمت فيه فعالية ذكرى رحيل الهزار الشادي؛ مستعرضين أهم إصداراته المطبوعة والمخطوطة.
مكتبة نزار قباني
لهذه المكتبة حكاية حَفِظَتْها ذاكرة معالي جمعة الماجد والعاملين في المركز في ذلك الوقت. زار الشاعر نزار قباني مركز جمعة الماجد بتاريخ 6/12/1994م، وكان ذلك حين حصل على جائزة الإنجاز الثقافي والعلمي في مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، وكان قباني في ضيافة الشاعر سلطان العويس الذي أخبره عن المركز وطلب منه زيارته. وقد أعجب نزار بالمكان وما فيه من مكتبة وخدمة للباحثين وكما يروي معالي جمعة الماجد فإن نزار قباني سأله إن كانت كتبه موجودة في المركز، وقد سُرَّ كثيرًا حين رأى مجموعة من كتبه، ثم سافر إلى بيروت وشحن للمكتبة بقية إصداراته. تطور الأمر بعد ذلك من قِبَل القائمين على المكان وتتم الآن إضافة كل كتاب جديد يصدر عن نزار قباني إلى هذه المكتبة. ضمت مكتبة نزار 137 كتابًا من دواوينه المنشورة والدراسات التي أُجريَت حوله، لعل من أقدمها نسخة مصورة من كتاب «دنيا الحروب: ملحمة شعرية أوحتها نار الحرب الحاضرة وصدى أنين البشرية المعذبة المرهقة»، نُشِرَ سنة 1941م. وكتاب «قالت لي السمراء»، شعر، نُشِرَ سنة 1944.
مكتبة الشيباني
وتضم مكتبة المركز أيضًا مكتبةً لشاعر آخر وهو محمد شريف الشيباني، وهو شاعر ومؤرخ توفيَ سنة 1998م، وكان يعمل أمينًا لمكتبة عامة في أبوظبي، ولديه إصدارات تربو على 20 كتابًا. أما مقتنيات المكتبة فقد تنوعت بين الكتب المطبوعة والوثائق والمراسلات والتسجيلات الصوتية والصور الفوتوغرافية الخاصة بالشاعر. وقد وجدنا في المكتبة من ضمن التسجيلات تسجيلات صوتية بصوت الشاعر وهو يقرأ أبياتًا مهداة لمعالي جمعة الماجد. أما الوثائق فمنها ما يتعلق بعمله في المكتبة، وسيقوم المركز الآن بالاشتغال على هذه الوثائق لإصدارها في كتاب خاص يتحدث عن أمناء المكتبات الشعراء.
مكتبة الشعر العربي
وللشعر العربي عمومًا أفردت مكتبة اسمها (مكتبة الشعر العربي)، وهي مكتبة متخصصة تضم كل ما يتعلق بالشعر والشعراء. وفيها ما يقارب 13 ألف عنوان منها أكثر من 500 كتاب من نوادر المطبوعات، مثل كتاب «العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ»، لمؤلفه محمد عثمان جلال والمطبوع سنة 1857م. وديوان ابن معتوق المطبوع سنة 1861م. وقد قدمت هذه المكتبة خدمات بحثية جليلة للباحثين من داخل الدولة وخارجها، كما استعان بها بعض المهتمين بإصدار موسوعات شعرية.
مكتبات أخرى متخصصة
وفي عام 2011م وجَّه معالي جمعة الماجد بتأسيس مجموعة أخرى من المكتبات المتخصصة في المركز، ومنها: مكتبة النخيل، ومكتبة الغوص، ومكتبة الشعر الإماراتي (بيت القصيد) والتي تم افتتاحها في العام ذاته برعاية كريمة من معالي جمعة الماجد وبحضور عدد من مديري المؤسسات الثقافية والشعراء والمهتمين، وقد تأسست هذه المكتبة لتخدم الباحثين في مجال الشعر الإماراتي، وتقع في قسم الثقافة الوطنية وهو القسم المعنيّ بدولة الإمارات العربية المتحدة.
تضم المكتبة دواوين الشعراء الفصيحة والعامية، والدراسات المتعلقة بالشعر والشعراء في الإمارات. كما قام القائمون عليها بعمل قائمة تضم أسماء الشعراء وأعمالهم تسهيلًا على الباحثين. وتقوم المكتبة بعمل فعاليات شعرية معززة لدور المصادر والمراجع في المجال البحثي. منها ما كان في حفل افتتاحها من استضافة الشاعرين الكبيرين ربيع بن ياقوت –رحمه الله– وراشد شرار، والاحتفاء بالشاعر الإماراتي الدكتور شهاب غانم بمناسبة حصوله على جائزة طاغور العالمية.
هذه هي المكتبات التي أُفْرِدَتْ بشكل واضح المعالم للشِّعر، أو كان أصحابها من الشعراء. وليس الأمر متقصرًا على هذه المكتبات؛ لأن المركز يضم أيضًا كتبًا عن أشعار الثقافات الأخرى وبلغات متنوعة، كما يضم قسمًا خاصًا بالرسائل الجامعية المتعلقة بالشعر. ولن يتوقف هذا الاهتمام عند هذا الأمر، فبإذن الله سيستمر المكان محافظًا على الإرث الإنساني الإبداعي للشعراء العرب من المحيط إلى الخليج.